التراث والتمكين

جمعیة الاتحاد النسائي العربي في بیت لحم:
إرث من التمكین والحفاظ على التراث وخدمة المجتمع

في قلب مدینة بیت لحم — المدینة ذات الأھمیة الروحیة والتاریخ العریق — تقف جمعیة الاتحاد النسائي العربي شامخة منذ تأسیسھا في عام 1947، كمثال حي على الصمود والقیادة النسائیة والرعایة المجتمعیة. وعلى مدى أكثر من سبعة عقود، كانت الجمعیة في طلیعة التغییر الاجتماعي، حیث ساھمت في تمكین أجیال من النساء وحمایة الھویة الثقافیة للشعب الفلسطیني.



الرؤیة التأسیسیة والبدایات

تأسست الجمعیة في أعقاب نكبة عام 1948، في واحدة من أكثر الفترات صعوبة في تاریخ فلسطین. وجاء تأسیسھا استجابةً للحاجة الملحّة لتقدیم الدعم الإنساني والاجتماعي للعائلات المھجرة والفئات المھمشة. ومنذ اللحظة الأولى، كانت ھذه الجمعیة ثمرة لجھد نسائي خالص، یحمل في طیاتھ الرحمة والعزیمة، ویجسد دور المرأة الفلسطینیة كحامیة للأسرة والثقافة والھویة.

تمكین المرأة من خلال العمل واكتساب المھارات

یعُد تمكین المرأة من خلال فرص العمل والتدریب والتعلیم محوراً أساسیاً في رسالة الجمعیة. ففي عام 1969، أطلقت الجمعیة مشروع التطریز والخیاطة، وھو مبادرة رائدة وفرت فرص عمل للعدید من النساء، حیث تقمن بإنتاج أثواب مطرزة ومنتجات تراثیة فلسطینیة أصیلة تدر علیھن دخلاً وتعزز ثقتھن بأنفسھن.

وفي عام 1987، توسعت الجمعیة في رؤیتھا عبر تأسیس مشروع المأكولات الفلسطینیة التقلیدیة، حیث تتلقى النساء تدریباً مھنیاً وتتُاح لھن فرصة العمل في مجال تحضیر الأطعمة التراثیة بجودة عالیة وتسویقھا محلیاً. ھذا المشروع لا یحافظ فقط على التراث الغذائي، بل یعُد مصدر رزق كریم للعدید من الأسر.

الحفاظ على التراث: المتاحف والھویة الثقافیة

من أبرز إنجازات الجمعیة في مجال الثقافة إنشاء مؤسستین ثقافیتین تسھمان في حفظ تاریخ وتراث بیت لحم:

متحف بیتنا التلحمي : (Baytna al-Talhami)یقع في شارع النجمة بالقرب من ساحة المھد، وقد تأسس عام

1971 في منزل تقلیدي قدیم. یعرض المتحف تفاصیل الحیاة الیومیة في بیت لحم خلال القرن التاسع عشر، من الأثاث والأدوات المنزلیة إلى المجوھرات والتطریز، وكلھا من مقتنیات أھالي المدینة.

متحف تاریخ بیت لحم :افتتُح رسمیاً عام 2015، ویوثق تاریخ المدینة من خلال الصور والوثائق والمقتنیات، مع تسلیط الضوء على دور الإنسان، والمرأة على وجھ الخصوص، في الحفاظ على التراث والھویة الفلسطینیة.

الخدمة المجتمعیة والعمل الخیري

منذ تأسیسھا، لم َّ تتخل الجمعیة عن رسالتھا الإنسانیة. وقد نفذت عبر السنوات العدید من المبادرات، منھا:

• توزیع السلال الغذائیة والملابس والحقائب المدرسیة.

• تنظیم احتفالات ترفيهية وثقافیة للأطفال وكبار السن.

• إقامة دورات وورش توعیة صحیة وثقافية واجتماعیة.

• تقدیم الدعم الطارئ خلال الأزمات بالتعاون مع جھات محلیة ودولیة.


خلال المواسم الدینیة ، تصبح الجمعیة مركز للعطاء، ترسم البسمة على وجوه المحتاجین وتزرع الأمل في نفوسھم.

نموذج للاستدامة والصمود

في السنوات الأخیرة، اتجھت الجمعیة نحو مشاریع الاستدامة، حیث أنھت مشروع تركیب نظام الطاقة الشمسیة، مما خفف الأعباء المالیة وساھم في الحفاظ على البیئة. كما تم تطویر المطبخ التراثي بدعم من أصدقاء الجمعیة في المھجر.

الرؤية المستقبلية: الشراكة والتعاون

لدي الجمعية رؤية واضحة والتزام راسخ، وتواصل الجمعیة دعوتھا إلى بناء شراكات فاعلة تضمن استمراریة برامجھا وتوسع رؤيتها. وھي تدعو المجتمع المحلي والدولي إلى المساھمة في ھذا المسار — من خلال التطوع، التبرع، أو التعاون المؤسسي.

إن جمعیة الاتحاد النسائي العربي لیست مجرد مؤسسة خیریة، بل ھي كیان نابض بالحیاة، یجمع بین قوة المرأة، وعمق التراث، ودفء العطاء. وعلى الرغم من التحدیات السیاسیة والاقتصادیة، تواصل الجمعیة رسالتھا بإصرار، وتبقى شاھدة على قدرة النساء الفلسطینیات على قیادة التغییر وصنع الأمل.